فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقالت فرقة: أراد النّعم والملابس والثمار والخضرة والمياه، ونحو هذا مما فيه زينة؛ ولم يدخل فيه الجبال الصم وكل ما لا زينة فيه كالحيات والعقارب.
والقول بالعموم أولى، وأن كل ما على الأرض فيه زينة من جهة خلقه وصنعه وإحكامه.
والآية بسط في التسلية؛ أي لا تهتم يا محمد للدنيا وأهلها فإنا إنما جعلنا ذلك امتحانًا واختبارًا لأهلها؛ فمنهم من يتدبّر ويؤمن، ومنهم من يكفر، ثم يوم القيامة بين أيديهم؛ فلا يعظُمنّ عليك كفرهم فإنا نجازيهم.
الثانية: معنى هذه الآية ينظر إلى قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا خضرة حلوة والله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون» وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أخوف ما أخاف عليكم ما يخرج الله لكم من زهرة الدنيا قال: وما زهرة الدنيا؟ قال: بركات الأرض» خرجهما مسلم وغيره من حديث أبي سعيد الخدريّ.
والمعنى: أن الدنيا مستطابة في ذوقها معجبة في منظرها كالثمر المستحلى المعجب المرأى؛ فابتلى الله بها عباده لينظر أيّهم أحسن عملًا.
أي من أزهد فيها وأترك لها؛ ولا سبيل للعباد إلى بغضة ما زيّنه الله إلا أن يعينه على ذلك.
ولهذا كان عمر يقول فيما ذكر البخاري: اللهمّ إنا لا نستطيع إلا أن نفرح بما زيّنته لنا، اللّهمَّ إني أسألك أن أنفقه في حقه.
فدعا الله أن يعينه على إنفاقه في حقه.
وهذا معنى قوله عليه السلام: «فمن أخذه بطيب نفس بورك له فيه ومن أخذه بإشراف نفس كان كالذي يأكل ولا يشبع» وهكذا هو المكثر من الدنيا لا يقنع بما يحصل له منها بل همّته جمعها؛ وذلك لعدم الفهم عن الله تعالى ورسوله؛ فإن الفتنة معها حاصلةٌ وعدم السلامة غالبة، وقد أفلح من أسلم ورزق كفافًا وقنعه الله بما آتاه.
وقال ابن عطية: كان أبي رضي الله عنه يقول في قوله: {أحسن عملًا} أحسن العمل أخذٌ بحقّ وإنفاقٌ في حق مع الإيمان، وأداء الفرائض واجتنابُ المحارم والإكثارُ من المندوب إليه.
قلت: هذا قول حسن، وجيز في ألفاظه بليغ في معناه، وقد جمعه النبيّ صلى الله عليه وسلم في لفظ واحد وهو قوله لسفيان بن عبد الله الثَّقَفيّ لما قال: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولًا لا أسأل عنه أحدًا بعدك. _ في رواية: غيرك._ قال: «قل آمنت بالله ثم استقم» خرّجه مسلم.
وقال سفيان الثّوريّ: {أحسن عملًا} أزهدهم فيها.
وكذلك قال أبو عصام العسقلاني: {أحسن عملًا} أترك لها.
وقد اختلفت عبارات العلماء في الزهد؛ فقال قوم: قصرُ الأمل وليس بأكل الخشن ولبس العباء؛ قاله سفيان الثّوريّ.
قال علماؤنا: وصدق رضي الله عنها فإن من قَصُر أملهُ لم يتأنّق في المطعومات ولا يتفنّن في الملبوسات، وأخذ من الدنيا ما تيسّر، واجتزأ منها بما يبلِّغ.
وقال قوم: بغضُ المحمدة وحبِّ الثناء.
وهو قول الأوزاعيّ ومن ذهب إليه.
وقال قوم: ترك الدنيا كلها هو الزهد؛ أحَبَّ تركها أم كره.
وهو قول فضيل.
وعن بشر بن الحارث قال: حبُّ الدنيا حبُّ لقاء الناس، والزهد في الدنيا الزهد في لقاء الناس.
وعن الفضيل أيضًا: علامة الزهد في الدنيا الزهد في الناس.
وقال قوم: لا يكون الزاهد زاهدًا حتى يكون ترك الدنيا أحبَّ إليه من أخذها؛ قاله إبراهيم بن أدهم.
وقال قوم: الزهد أن تزهد في الدنيا بقلبك؛ قاله ابن المبارك.
وقالت فرقة: الزهد حبّ الموت.
والقول الأول يعم هذه الأقوال بالمعنى فهو أولى.
{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا (8)}.
تقدّم بيانه.
وقال أبو سهل: ترابًا لا نبات به؛ كأنه قُطع نباته.
والجَرْز: القطع؛ ومنه سنة جُرُز.
قال الراجز:
قد جَرَفْتهنّ السِّنون الأجْرَاز

والأرض الجرز التي لا نبات فيها ولا شيء من عمارة وغيرها؛ كأنه قطع وأزيل.
يعني يوم القيامة، فإن الأرض تكون مستوية لا مستتر فيها.
النحاس: والجرز في اللغة الأرض التي لا نبات بها.
قال الكسائي: يقال جرزت الأرض تجرز، وجرزها القوم يجرزونها إذا أكلوا كل ما جاء فيها من النبات والزرع فهي مجروزة وجرز. اهـ.

.قال أبو السعود:

وتقديمُ الإنذار على التبشير لإظهار كمال العنايةِ بزجر الكفّارِ عما هم عليه مع مراعاة تقديمِ التخليةِ على التحلية، وتكريرُ الإنذار بقوله تعالى: {وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا} متعلقًا بفِرْقة خاصة ممن عمّه الإنذارُ السابقُ من مستحقي البأسِ الشديدِ للإيذان بكمال فظاعةِ حالِهم لغاية شناعةِ كفرِهم وضلالِهم، أي وينذرَ من بين سائر الكفرةِ هؤلاء المتفوّهين بمثل هاتيك العظيمةِ خاصة وهم كفارُ العرب الذين يقولون: الملائكةُ بناتُ الله تعالى، واليهودُ القائلون: عزيرٌ ابنُ الله، والنصارى القائلون: المسيحُ ابن الله، وتركُ إجراءِ الموصولِ على الموصوف كما فُعل في قوله تعالى: {وَيُبَشّرُ المؤمنين} للإيذان بكفاية ما في حيز الصلةِ في الكفر على أقبح الوجوه، وإيثارُ صيغةِ الماضي في الصلة للدِلالة على تحقق صدورِ تلك الكلمةِ القبيحة عنهم فيما سبق. وجعلُ المفعولِ المحذوفِ فيما سلف عبارةً عن هذه الطائفة يؤدي إلى خروج سائرِ أصنافِ الكفرة عن الإنذار والوعيدِ، وتعميمُ الإنذارِ هناك للمؤمنين أيضًا بحمله على معنى مجردِ الإخبارِ بالخبر الضارِّ من غير اعتبار حُلول المنذَرِ به على المنذَر كما في قوله تعالى: {أَنْ أَنْذِر الناس وَبَشر الذين ءَامَنُواْ} يُفضي إلى خلوّ النظمِ الكريم عن الدلالة على حلول البأسِ الشديدِ على مَنْ عدا هذه الفرقةِ، ويجوز أن يكون الفاعلُ في الأفعال الثلاثة ضميرَ الكتاب أو ضميرَ الرسول عليه الصلاة والسلام.
{مَا لَهُمْ بِهِ} أي باتخاذه سبحانه وتعالى ولدًا {مِنْ عِلْمٍ} مرفوعٌ على الابتداء أو الفاعلية لاعتماد الظرفِ، ومِن مزيدةٌ لتأكيد النفي والجملةُ حاليةٌ أو مستأنَفةٌ لبيان حالِهم في مقالهم، أي ما لهم بذلك شيءٌ من علم أصلًا لا لإخلالهم بطريقه مع تحقيق المعلومِ أو إمكانِه بل لاستحالته في نفسه {وَلاَ لأََبَائِهِمْ} الذين قلدوهم فتاهوا جميعًا في تيه الجهالةِ والضلالةِ أو ما لهم علمٌ بما قالوه أهو صوابٌ أم خطأٌ، بل إنما قالوه رميًا عن عمًى وجهالةٍ من غير فكر ورويّةٍ كما في قوله تعالى: {وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أو بحقيقة ما قالوه وبعظم رُتبتِه في الشناعة كما في قوله تعالى: {وَقَالُواْ اتخذ الرحمن وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدَا تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ} الآيات وهو الأنسب بقوله تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً} أي عظُمت مقالتُهم هذه في الكفر والافتراءِ لما فيها من نسبته سبحانه إلى ما لا يكاد يليق بجناب كبريائِه، والفاعلُ في كبُرت إما ضميرُ المقالةِ المدلولِ عليها بقالوا وكلمةً نُصبَ على التمييز أو ضميرٌ مبهمٌ مفسَّرٌ بما بعده من النكرة المنصوبةِ تمييزًا كبئس رجلًا، والمخصوصُ بالذم محذوفٌ تقديرُه كبُرت هي كلمةً خارجةً من أفواههم، وقرئ: {كبْرتْ} بإسكان الباء مع إشمام الضم، وقرئ كلمةٌ بالرفع {تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} صفةٌ للكلمة مفيدةٌ لاستعظام اجترائِهم على التفوه بها، وإسنادُ الخروجِ إليها مع أن الخارجَ هو الهواءُ المتكيفُ بكيفية الصوتِ لملابسته بها {إِن يَقُولُونَ} ما يقولون في ذلك الشأنِ {إِلاَّ كَذِبًا} أي إلا قولًا كذبًا لا يكاد يدخُل تحت إمكانِ الصدق أصلًا، والضميران لهم ولآبائهم.
مُثّل حالُه عليه الصلاة والسلام في شدة الوجدِ على إعراض القومِ وتولّيهم عن الإيمان بالقرآن وكمالِ التحسّر عليهم بحال من يُتوقع منه إهلاكُ نفسِه إثرَ فواتِ ما يُحِبّه عند مفارقة أحبّتِه تأسفًا على مفارقتهم وتلهفًا على مهاجَرتهم، فقيل على طريقة التمثيلِ حملًا له عليه الصلاة والسلام على الحذر والإشفاق من ذلك:
{فَلَعَلَّكَ باخع} أي مُهلكٌ {نَّفْسَكَ على ءاثارهم} غمًا ووجدًا على فراقهم وقرئ بالإضافة {إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث} أي القرآنِ الذي عبّر عنه في صدر السورةِ بالكتاب، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ ثقةً بدلالة ما سبق عليه، وقرئ بأنْ المفتوحةِ أي لأن لم يؤمنوا، فإعمالُ باخعٌ بحمله على حكاية حالٍ ماضيةٍ لاستحضار الصورةِ كما في قوله عز وجل: {باسط} {الحديث أَسَفًا} مفعولٌ له لباخعٌ أي لِفَرْط الحزنِ والغضبِ أو حالٌ مما فيه الضمير أن متأسفًا عليهم، ويجوز حملُ النظمِ الكريم على الاستعارة التبعيةِ بجعل التشبيهِ بين أجزاءِ الطرفين لا بين الهيئتين المنتزَعتين منهما كما في التمثيل، وقد مر تحقيقُه في تفسير قوله تعالى: {خَتَمَ الله على قُلُوبِهِمْ} {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأرض} استئنافٌ وتعليلٌ لما في لعل من معنى الإشفاقِ، أي إنا جعلنا ما عليها ممن عدا مَنْ وُجّه إليه التكليفُ من الزخارف حيوانًا كان أو نباتًا أو معدِنًا كقوله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَ لَكُم مَّا في الأرض جَمِيعًا} {زِينَةُ} مفعولٌ ثانٍ للجعل إن حُمل على معنى التصييرِ أو حالٌ إن حمل على معنى الإبداعِ، واللام في {لَهَا} إما متعلقةٌ بزينةً أو بمحذوف هو صفةٌ لها أي كائنةً لها أي ليتمتع بها الناظرون من المكلفين وينتفعوا بها نظرًا واستدلالًا، فإن الحياتِ والعقاربَ من حيث تذكيرُهما لعذاب الآخرة من قبيل المنافِع بل كلُّ حادثٍ داخلٌ تحت الزينة من حيث دَلالتُه على وجود الصانعِ ووَحدتِه فإن الأزواجَ والأولادَ أيضًا من زينة الحياةِ الدنيا بل أعظمُها ولا يمنع ذلك كونُهم من جملة المكلفين فإنهم من جهة انتسابهم إلى أصحابهم داخلون تحت الزينةِ ومن جهة كونهم مكلفين داخلون تحت الابتلاء.
{لِنَبْلُوَهُمْ} متعلقٌ بجعلنا أي جعلنا ما جعلنا لنعاملَهم معاملةَ من يختبرهم {أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا} فنجازيهم بالثواب والعقابِ حسبما تبين المحسنُ من المسيء وامتازت طبقاتُ أفرادِ كلَ من الفريقين حسب امتيازِ مراتبِ علومِهم المرتبة على أنظارهم وتفاوتِ درجاتِ أعمالِهم المتفرّعةِ على ذلك كما قررناه في مطلع سورة هود، وأيُّ إما استفهاميةٌ مرفوعةٌ بالابتداء وأحسنُ خبرُها والجملةُ في محل النصبِ معلِّقةٌ لفعل البلوى لما فيه من معنى العلمِ باعتبار عاقبتِه كالسؤال والنظرِ، ولذلك أجريَ مَجراه بطريق التمثيلِ أو الاستعارةِ التبعية، وإما موصولةٌ بمعنى الذي وأحسنُ خبرٌ لمبتدأ مضمر، والجملةُ صلةٌ لها وهي في حيز النصبِ بدلٌ من مفعول لنبلوَهم والتقديرُ لنبلوَ الذي هو أحسنُ عملًا فحينئذ يحتمل أن تكون الضمةُ في أيُّهم للبناء كما في قوله عز وجل: {ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِن كُلّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرحمن عِتِيًّا} على أحد الأقوالِ لتحقق شرط البناءِ الذي هو الإضافةُ لفظًا وحذفُ صدرِ الصلةِ وأن تكون للإعراب لأن ما ذكر شرطٌ لجواز البناءِ لا لوجوبه، وحُسنُ العملِ الزهدُ فيها وعدمُ الاغترار بها والقناعةُ باليسير منها وصرفُها على ما ينبغي والتأملُ في شأنها وجعلُها ذريعةً إلى معرفة خالقِها والتمتعُ بها حسبما أذِن له الشرعُ وأداءُ حقوقها والشكرُ لها، لا اتخاذُها وسيلةً إلى الشهوات والأغراضِ الفاسدة كما يفعله الكفرةُ وأصحابُ الأهواء.
{وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ} فيما سيأتي عند تناهي عُمرِ الدنيا {مَا عَلَيْهَا} من المخلوقات قاطبةً بإفنائها بالكلية وإنما أُظهر في مقام الإضمارِ لزيادة التقريرِ أو لإدراج المكلفين فيه {صَعِيدًا} مفعولٌ ثانٍ للجعل، والصعيدُ الترابُ أو وجهُ الأرضِ، قال أبو عبيدةَ: هو المستوي من الأرض، وقال الزجاجُ: هو الطريقُ الذي لا نبات فيه {جُرُزًا} ترابًا لا نباتَ فيه بعد ما كان يَتعجَّب من بهجته النُّظارُ وتتشرف بمشاهدته الأبصارُ، يقال: أرضٌ جرُزٌ لا نباتَ فيها وسَنةٌ جرُزٌ لا مطر فيها. قال الفراء: جُرِزَت الأرضُ فهي مجرُوزة أي ذهب نباتُها بقحط أو جراد، ويقال: جرَزها الجرادُ والشاةُ والإبلُ إذا أكلت ما عليها، وهذه الجملةُ لتكميل ما في السابقة من التعليل، والمعنى لا تحزنْ بما عاينْتَ من القوم من تكذيب ما أنزلنا عليك من الكتاب فإنا قد جعلنا ما على الأرض من فنون الأشياءِ زينةً لها لنختبرَ أعمالَهم فنجازِيَهم بحسبها وإنا لَمُفْنون جميعَ ذلك عن قريب ومجازون لهم بحسب أعمالهم. اهـ.

.قال الألوسي:

وتقديم الإنذار على التبشير لإظهار كمال العناية بزجر الكفار عما هم عليه مع مراعاة تقديم التخلية على التحلية، وتكرير الإنذار بقوله تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)} متعلقًا بفرقة خاصة ممن عمه الإنذار السابق من مستحقي البأس الشديد للإيذان بكمال فظاعة حالهم لغاية شناعة كفرهم وضلالهم كما ينبئ عنه ما بعد أن وينذر من بين هؤلاء الكفرة المتفوهين بمثل هاتيك العظيمة خاصة وهم العرب القائلون الملائكة بنات الله تعالى واليهود القائلون عزير ابن الله سبحانه والنصارى القائلون المسيح ابن الله عز وجل، وترك إجراء الموصول على الموصوف كما في قوله تعالى: {وَيُبَشّرُ المؤمنين} [الكهف: 2] إلخ للإيذان بكفاية ما في حيز الصلة في الكفر على أقبح الوجوه؛ وإيثار صيغة الماضي في الصلة للدلالة على تحقق صدور تلك الكلمة القبيحة عنهم فيما سبق، وجعل بعضهم المفعول المحذوف فيما سلف عبارة عن هذه الطائفة، وفي الآية صنعة الاحتباك حيث حذف من الأول ما ذكر فيما بعد وهو المنذر وحذف مما بعدما ذكر في الأول وهو المنذر به. وتعقب بأنه يؤدي إلى خروج سائر أصناف الكفرة عن الإنذار والوعيد.
وأجيب بأنه يعلم إنذار سائر الأصناف ودخولهم في الوعبد من باب الأولى لأن القول بالتبني وان كبر كلمة دون الإشراك وفيه نظر، وقدر ابن عطية العالم وأبو البقاء العباد فيعم المؤمنين أيضًا، وتعقب بأن التعميم يقتضي حمل الإنذار على معنى مجرد الأخبار بالأمر الضار من غير اعتبار حلول المنذر به على المنذر كما في قوله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إلى} [يونس: 2] وهو يفضي إلى خلو النظم الكريم عن الدلالة على حلول البأس الشديد على من عدا هذه الفرقة فتأمل.